[size=25]
الارواح بعد مفارقة الابدان إذا تجردت بأي شي يتميز بعضها من بعض حتى تتعارف وتتلاقا؟
وهل تشكل إذا تجردت بشكل بدنها الذي كانت فيه وتلمس صورته ام كيف يكون حالها
[size=9]
[/size][/size]
[size=25]هذه مسأله لا تكاد تجد من تكلم فيها ولا يظفر فيها من كتب الناس بطائل ولا بغير طائل ، ولا سيما على أصول من يقول بأنها مجردة عن الماده وعلائقها ، وليست بداخل العالم ولا خارجه، ولا لها شكل ولا قدر ولا شخص ، فهذا السؤال على اصولهم مما لاجواب لهم عنه ، وكذلك من يقول : هي عرض من أعراض البدن ، فتمنيزها عن غيرها مشروط بقيامها ببدنها ، فلا تميز لها بعد الموت ، بل لا وجود لها على أصولهم ، بل تعدم وتبطل باضمحلال البدن كما تبطل سائر صفات الحي ، ولا يمكن جواب هذه المسأله إلا على أصول أهل السنه التي تظاهرت عليها أدلة القرآن والسنه والآثار والإعتبار والعقل ، والقول إنها ذات قائمه بنفسها تصعد وتنزل وتتصل وتنفصل وتخرج وتذهب وتجيئ وتتحرك وتسكن .
وقد وصفها الله سبحانه وتعالى بالدخول والخروج والقبض والتوفي والرجوع وصعودها إلى السماء وفتح أبوابها لها وغلقها عنها ، فقال تعالى
[/size]
: ([size=25]ولو ترى إذ الظالمون في غمرات[/size][size=25]الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم[/size] )
فقال تعالى :
([size=25]ياأيتها النفس المطمئنه ، ارجعي إلى ربك راضية مرضيه، فادخلي في عبادي ، وادخلي جنتي )[/size]
[size=25]وهذا يقال لها عند المفارقه للجسد
[/size]
فقال تعالى : ( [size=25]ونفس وما سواها ، فألهما فجورها وتقواها [/size])
[size=25]فأخبر أنه سوى النفس كما أخبر أنه سوى البدن في قوله تعالى
[/size]
: ( [size=25]الذي خلقك فسواك فعدلك [/size]) [size=25]فهو سبحانه سوى نفس الإنسان كما سوى بدنه ، بل سوى بدنه كالقالب لنفسه ، فتسوية البدن تابع لتسوية النفس ، والبدن موضوع لها كالقالب لما هو موضوع له . ومن هاهنا يعلم أنها تأخذ من بدنها صورة تتميز بها عن غيرها ، فإنها تتأثر وتنتقل عن البدنكما يتأثر البدن وينتقل عنها ، فيكتسب البدن الطيب والخبيث من طيب النفس وخبثها ، وتكتسب النفس الطيب والخبث من طيب البدن وخبثه ، فأشد الأشياء إرتباطا وتناسبا وتفاعلا وتأثراً من أحدهما بالآخر الروح والبدن ، ولهذا يقال لها عند المفارقه : أخرجي أيتها النفس الطيبه كانت في الجسد الطيب واخرجي أيتها النفس الخبيثه كانت في الجسد الخبيث .[/size]
وقال تعالى : (
[size=25]الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامهافيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى [/size][size=9]ج[/size]) [size=25]فوصفها بالتوفي والإمساك والإرسال ، كما وصفها بالدخول والخروج والرجوع والتسويه .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم [/size]:( [size=25]أن بصر الميت يتبع نفسه إذا قبضت [/size]) . وأخبر : ([size=25] أن الملك يقبضها فتأخذها الملائكه من يده فيوجد لها كاطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض ، أو كأنتن ريح جيفة وجدت على سطح الأرض ) [/size]. [size=25]والأعراض لا ريح لها ولا تمسك ولا تؤخذ من د إلى يد .
وأخبر : أنها تصعد إلى السماء ويصلي عليها كل ملك لله بين السماء والأرض ، وأنها تفتح لها أبواب السماء فتصعد من سماء إلى سماء حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل ، فتوقف بين يديه ، ويأمر بكتابة إسمه في ديوان أهل عليين أو ديوان أهل سجين ، ثم ترد إلى الأرض ، وأن روح الكافر تطرح طرحاً ، وأنها تدخل مع البدن في قبره للسؤال .
وقد أخبر النبيصلى الله عليه وسلم : ( بأن نسمة المؤمن وهي روحه طائر يعلق في شجر الجنه حتى يردها الله إلى جسده ) .
وأخبر: ( أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر ترد أنهار الجنه وتأكل من ثمارها ) .
وأخبر : ( أن الروح تنعم وتعذب في البرزخ إلى يوم القيامه ) .
وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن أرواح قوم فرعون : أنها تعرض على النار غدواً وعشياً قبل يوم القيامه ، وقد أخبر سبحانه عن الشهداء بأنهم احياء عند ربهم يرزقون ، وهذه حياة أرواحهم ورزقها دار ، وإلا فالأبدان قد تمزقت ، وقد فسر رسول الله صلى الله غليه وسلم هذه الحياة : ( بأن أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل ، فاطلع إليهم ربهم إطلاعة فقال : ( هل تشتهون شيئاً ؟ قالو : أيُ شيءٍ نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ؟ فعل بهم ذلك ثلاث مرات . فلما رؤا أنهم لن يتركوا من ان يسألوا قالو : نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى ) .
وصح عنه صلى الله عليه وسلم : ( أن أرواح الشهداء في طير خضر تعلق من ثمر الجنه ) .
وقال غبن عباس رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( [/size][size=25]لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنه وتاكل من ثمارها ، وتاوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش ، فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم قالوا : ياليت إخواننا يعلمون ماصنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلو ا عن الحرب ، فقال الله عز وجل : أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم : [/size][size=25]( [/size][size=25]ولا تحسبن الذين قتلو في سبيل الله أموات بل أحياء عند ربهم يرزقون ) .[/size]
[size=25]وهذا صريح في أكلها وشربها وحركتها وإنتقالاتها وكلامها ،.
وإذا كان هذا شأن الأرواح فتميزها بعد المفارقه يكون أظهر من تمييز الأبدان ، والإشتباه بينها أبعد من إشتباه الأبدان ، فإن الأبدان تشتبه كثيراً ، وأما الأرواح فقلما تشتبه .
وتميز الروح عن الروح بصفاتها أعظم من تميز البدن عن البدن بصفاته ، ألا ترى أن بدن المؤمن والكافر قد يشتبهان كثيراً وبين روحيهما أعظم التباين والتميز ، وانت ترى أخوين شقيقين مشتبهين في الخلقه غاية الإشتباه وبين روحيهما غاية التميز ، فإذا تجردت هاتان الروحان كان تميزهما في غاية الظهور .
وأخبرك بامر : إذا تأملت أحوال الأنفس والأبدان شاهدته عيانا قل أن ترى بدناً قبيحاً وشكلاص شنيعاً إلا وجدته مركباً على نفس تشاكله وتناسبه ، وقل أن ترى آفة في بدن إلا وفي روح صاحبها آفة تناسبها ، ولهذا تأخذ أصحاب الفراسه أحوال النفوس من أشكال الأبدان وأحوالها ، فقل أن تخطئ ذلك .
ويحكى عن الشافعي رحمه الله في ذلك عجائب . وقل أن ترى شكلاً حسناً وصورة جميلة وتركيباً لطيفاً إلا وجدت الروح المتعلقه به مناسبة له ، هذا مالم يعارض ذلك مايوجب خلافه من تعلم وتدرب واعتاد.
وإذا كانت الأرواحالعلويه ، وهم الملائكة متميزاً عن بعض من غير
أجسام تحملهم ، وكذلك الجن ، فتميز الأرواح البشرية أولى
كتاب الروح لأبن قيم الجوزيه .
[/size]